الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال ابن الأنباري: في قوله: {وَيْكَ أنَّه} ثلاثة أوجه.إِن شئت قلت: {وَيْكَ} حرف، و{أنَّه} حرف؛ والمعنى: ألم تر أنَّه، والدليل على هذا قول الشاعر: والثاني: أن يكون {وَيْكَ} حرفًا، و{أَنَّه} حرفًا، والمعنى: ويلك اعلمْ أنَّه، فحذفت اللام، كما قالوا: قم لا أباك، يريدون: لا أبالك، وأنشدوا: أراد: لا أَبَالَكِ، فحذف اللام.والثالث: أن يكون {وَيْ} حرفًا، و{كأنَّه} حرفًا، فيكون معنى {وَيْ} التعجُّب، كما تقول وَيْ لِمَ فعلت كذا وكذا، ويكون معنى {كأنَّه} أظُنُّه وأعلمُه، كما تقول في الكلام: كأنَّك بالفَرَج قد أَقْبَل؛ فمعناه: أظُنُّ الفَرَجُ مقْبِلًا، وإِنما وصلوا الياء بالكاف في قوله: {وَيْكأنَّه} لأنَّ الكلام بهما كَثُر، كما جعلوا {يا ابْنَ أُمَّ} في المصحف حرفًا واحدًا، وهما حرفان [طه: 94]. وكان جماعة منهم يعقوب، يقفون على {وَيْكَ} في الحرفين، ويبتدؤون {أنّ} و{أنَّه} في الموضعين.وذكر الزجَّاج عن الخليل أنه قال: {وَيْ} مفصولة من {كأنَّ} وذلك أنَّ القوم تندَّموا فقالوا: {وَيْ} متندِّمين على ما سلف منهم، وكلُّ مَنْ نَدِم فأظهر ندامته قال: وَيْ. وحكى ابن قتيبة عن بعض العلماء أنَّه قال: معنى {ويكأنَّ} رحمةً لك، بلغة حِمْيَر.قوله تعالى: {لولا أنْ مَنَّ اللّهُ علينا} أي: بالرحمة والمعافاة والإِيمان {لَخَسَف بِنَا}.قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخرةُ} يعني الجنة {نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا في الأرض} وفيه خمسة أقوال:أحدها: أنَّه البَغْي، قاله سعيد بن جبير.والثاني: الشَّرَفُ والعِزّ، قاله الحسن.والثالث: الظُّلْم، قاله الضحاك.والرابع: الشِّرك، قاله يحيى بن سلام.والخامس: الاستكبار عن الإِيمان، قاله مقاتل.قوله تعالى: {ولا فسادًا} فيه قولان:أحدهما: العمل بالمعاصي، قاله عكرمة.والثاني: الدُّعاء إِلى غير عبادة الله، قاله ابن السائب.قوله تعالى: {والعاقبةُ للمتَّقِين} أي: العاقبة المحمودة لهم. اهـ.
أي مع النفوس.كان خرج في سبعين ألفًا من تَبَعه، عليهم المعصفَرات، وكان أوّل من صُبغ له الثياب المعصفَرة. قال السدي: مع ألف جوار بيض على بغال بيض بسروج من ذهب على قُطُف الأرْجُوان. قال ابن عباس: خرج على البغال الشهب. مجاهد: على براذين بيض عليها سروج الأُرْجُوان، وعليهم المعصفَرات، وكان ذلك أوّل يوم رؤي فيه المعصفَر.قال قتادة: خرج على أربعة آلاف دابة عليهم ثياب حمر، منها ألف بغل أبيض عليها قُطُف حمر. قال ابن جريج: خرج على بغلة شهباء عليها الأُرْجُوان، ومعه ثلاثمائة جارية على البغال الشهب عليهن الثياب الحمر. وقال ابن زيد: خرج في سبعين ألفًا عليهم المعصفَرات. الكلبي: خرج في ثوب أخضر كان الله أنزله على موسى من الجنة فسرقه منه قارون. وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: كانت زينته القِرْمز. قلت: القِرْمِز صِبغ أحمر مثل الأُرْجُوان، والأُرْجُوان في اللغة صِبغ أحمر؛ ذكره القشيري.{قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا ياليت لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أي نصيب وافر من الدنيا. ثم قيل: هذا من قول مؤمني ذلك الوقت، تمنوا مثل ماله رغبة في الدنيا. وقيل: هو من قول أقوام لم يؤمنوا بالآخرة ولا رغبوا فيها، وهم الكفار.قوله تعالى: {وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم} وهم أحبار بني إسرائيل للذين تمنوا مكانه {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ} يعني الجنة.{لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصابرون} أي لا يؤتى الأعمال الصالحة، أو لا يؤتى الجنة في الآخرة إلا الصابرون على طاعة الله.وجاز ضميرها لأنها المعنية بقوله: {ثَوَابُ اللَّهِ}. قوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} قال مقاتل: لما أمر موسى الأرض فابتلعته قالت بنو إسرائيل: إنما أهلكه ليرث ماله؛ لأنه كان ابن عمه؛ أخي أبيه، فخسف الله تعالى به وبداره الأرض وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام، فأوحى الله إلى موسى إني لا أعيد طاعة الأرض إلى أحد بعدك أبدًا.يقال: خَسَف المكانُ يخسِف خُسوفًا ذهب في الأرض وخَسَف الله به الأرض خَسْفًا أي غاب به فيها.ومنه قوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} وخَسَف هو في الأرض وخُسِف به. وخسوف القمر كسوفه. قال ثعلب: كَسَفتِ الشمسُ وخَسفَ القمرُ؛ هذا أجود الكلام. والخسف النقصان؛ يقال: رضي فلان بالخسف أي بالنقيصة. {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ} أي جماعة وعصابة.{يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين} لنفسه أي الممتنعين فيما نزل به من الخسف. فيروى أن قارون يَسفُل كل يوم بقدر قامة، حتى إذا بلغ قعر الأرض السفلى نفخ إسرافيل في الصور؛ وقد تقدّم؛ والله أعلم.قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ الذين تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بالأمس} أي صاروا يتندّمون على ذلك التمني و{يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله} وي حرف تندّم.قال النحاس: أحسن ما قيل في هذا قول الخليل وسيبويه ويونس والكسائي إن القوم تَنبّهوا أو نُبِّهوا؛ فقالوا وَيْ، والمتندم من العرب يقول في خلال تندّمه وَيْ. قال الجوهري: وَيْ. كلمة تعجب، ويقال: وَيْكَ ووَيْ لعبد الله. وقد تدخل وَيْ على كأن المخففة والمشدّدة تقول: ويكأن الله. قال الخليل: هي مفصولة؛ تقول: {وَيْ} ثم تبتدىء فتقول: {كَأَنَّ}.قال الثعلبي: وقال الفرّاء هي كلمة تقرير؛ كقولك: أما ترى إلى صنع الله وإحسانه؛ وذكر أن أعرابية قالت لزوجها: أين ابنكَ وَيْلك؟ فقال: وَيْ كأنّه وراء البيت؛ أي أما ترينه. وقال ابن عباس والحسن: ويك كلمة ابتداء وتحقيق تقديره: إن الله يبسط الرزق. وقيل: هو تنبيه بمنزلة ألا في قولك ألا تفعل وأمَّا في قولك أما بعد. قال الشاعر: وقال قُطْرُب: إنما هو ويلك وأسقطت لامه وضمت الكاف التي هي للخطاب إلى وَيْ. قال عَنترة: وأنكره النحاس وغيره، وقالوا: إن المعنى لا يصح عليه؛ لأن القوم لم يخاطبوا أحدًا فيقولوا له ويلك، ولو كان كذلك لكان إنه بالكسر. وأيضًا فإن حذف اللام من ويلك لا يجوز. وقال بعضهم: التقدير ويلك اعلم أنه؛ فأضمر اعلم.ابن الأعرابي: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ} أي اعلم. وقيل: معناه ألم تر أن الله. وقال القتبي: معناه رحمة لك بلغة حِميْر. وقال الكسائي: وَيْ فيه معنى التعجب. ويروى عنه أيضًا الوقف على وَيْ وقال كلمة تفجّع. ومن قال: ويك فوقف على الكاف فمعناه أعجب لأن الله يبسط الرزق وأعجب لأنه لا يفلح الكافرون. وينبغي أن تكون الكاف حرف خطاب لا اسمًا؛ لأنّ وَيْ ليست مما يضاف. وإنما كتبت متصلة؛ لأنها لما كثر استعمالها جعلت ما بعدها كشيء واحد.{لولا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا} بالإيمان والرحمة وعصمنا من مثل ما كان عليه قارون من البغي والبطر {لَخَسَفَ بِنَا}. وقرأ الأعمش {لَوْلاَ مَنُّ اللَّهِ عَلَيْنَا}. وقرأ حفص: {لخَسَفَ بِنَا} مسمّى الفاعل. الباقون: على ما لم يسم فاعله وهو اختيار أبي عبيد. وفي حرف عبد الله {لاَنْخُسِفَ بِنَا} كما تقول انطلِق بنا. وكذلك قرأ الأعمش وطلحة بن مُصرِّف. واختار قراءة الجماعة أبو حاتم لوجهين: أحدهما قوله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وبَدَارِهِ الأَرْضَ}.والثاني قوله: {لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} فهو بأن يضاف إلى الله تعالى لقرب اسمه منه أولى.{وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} عند الله.قوله تعالى: {تِلْكَ الدار الآخرة} يعني الجنة. وقال ذلك على جهة التعظيم لها والتفخيم لشأنها.يعني تلك التي سمعت بذكرها، وبلغك وصفها {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض} أي رفعة وتكبرًا على الإيمان والمؤمنين {وَلاَ فَسَادًا} عملًا بالمعاصي. قاله ابن جريج ومقاتل.وقال عِكْرمة ومسلم البَطين: الفساد أخذ المال بغير حق. وقال الكلبي الدعاء إلى غير عبادة الله.وقال يحيى بن سلام: هو قتل الأنبياء والمؤمنين. {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} قال الضحاك: الجنة.وقال أبو معاوية: الذي لا يريد علوًّا هو من لم يجزع من ذلّها، ولم ينافس في عزّها، وأرفعهم عند الله أشدّهم تواضعًا، وأعزّهم غدًا ألزمهم لذلّ اليوم.وروى سفيان بن عُيَيْنة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: مرّ عليّ بن الحسين وهو راكب على مساكين يأكلون كِسَرًا لهم، فسلّم عليهم فدعوه إلى طعامهم، فتلا هذه الآية {تِلْكَ الدار الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض وَلاَ فَسَادًا} ثم نزل وأكل معهم. ثم قال: قد أجبتكم فأجيبوني. فحملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم وصرفهم.خرّجه أبو القاسم الطبراني سليمان بن أحمد قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدّثني أبي، قال حدّثنا سفيان بن عُيَيْنة. فذكره. وقيل: لفظ الدار الآخرة يشمل الثواب والعقاب. والمراد إنما ينتفع بتلك الدار من اتقى، ومن لم يتق فتلك الدار عليه لا له؛ لأنها تضره ولا تنفعه. اهـ.
|